بحث حول اللسانيات الوظيفية


بحث حول اللسانيات الوظيفية مع المراجع


بحث حول اللسانيات الوظيفية مع المراجع


تمهيد:

تندرج اللسانيات الوظيفية في التيار البنيوي الذي كان بمثابة ردّ على النظرية التاريخية والذي انطلق مع "سوسير"، فهي فرع من فروع البنيوية، لكنها ترى أنّ البنية النحوية والدلالية والفونولوجية للغات تحدّد بالوظائف المختلفة التي تقوم بها في المجتمع.

وظهر الاتجاه الوظيفي إلى الوجود مع حلقة "براغ" التي استفادت من آراء "سوسير"، وجعلتها منطلقا لها، فكوّنت لنفسها نظرية لغوية، وحدّدت هذه المدرسة منهجا لنفسها بالانطلاق من تحديد للغة باعتبارها نظاما وظيفيا يهدف إلى تمكين الإنسان من التعبير والتواصل، فهدف اللغة عند أصحاب هذه المدرسة هو التواصل، ودراستها ينبغي أن تراعي ذلك، فكلّ عنصر يساهم في التواصل ينتمي إلى اللغة، وكلّ ما ليس له دور في ذلك فهو خــارج عنها، لكن هذه النظرية الوظيفية لـم تتبلور في كلّ مظــاهرها إلاّ مع " أندريه مارتيني André Martinet".

المطلب الأول: حلقة براغ:

ظهرت هذه الحلقة في سنة 1926م، وضمّت مجموعة من اللغويين من أقطار مختلفة (روسيا، هولندا، إنجلترا، فرنسا، ألمانيا...)في تشيكوسلوفاكيا، وكان أساسها ثلاثة لغويين تشيك، وهم:"ماتيسيوس Mathesius "، " ترنكا Trenka "، " هافرانك Havranek " وثلاثة من الروس، وهم: "تروبتسكوي Trubetzkoy"، " جاكبسون Jakobson"،و" كارسيفسكي Karacevskij "، الذي كان تلميذا لـ"سوسير"،،والذي نقل إلى "جاكبسون" و"تروبتسكوي" وإلى غيرهما من اللسانيين الشباب كلّ الأفكار التي أخذها عن أستاذه،وتأثروا بـ "كورتني Courteney" وتلميذه "كروسفسكي Kruszewsky"و"جسبرسن Yespersen "وبمفاهيمهم اللسانية المتصلة بالفونيم،والتي اعتبرت قاعدة قامت عليها المبادئ الفونولوجية لهذه المدرسة،وقد اتفق أعضاؤها على اتخاذ الفكرة التركيبية والوظيفية في اللغة كأساس في الدراسة اللغوية، وصاغوا جملة من المبادئ الهامة، تقدّموا بها إلى المؤتمر الدولي الأول لعلماء اللغة، الذي انعقد في "لاهاي" بهولندا سنة 1928م، وأصدروا صحيفة مـهمة تحـت عنـوان:"النصوص الأســاسية لحلقـة براغ اللغـويـة Travaux du cercle linguistique de prague "، ثم صاغوا منهجهم لدراسة اللغة في بيان أصدروه في مؤتمر اللغات السلافية سنة 1929م، وفي سنة 1930م ظهرت أوّل دراسة منهجية في تاريخ الأصوات اللغوية، أعدّها "جاكبسون"، وعقد في "براغ" مؤتمر الصوتيات، وقد بلغت هذه المدرسة أوّج تطورها في الثلاثينيات، حيث شرعت في عقد ندوات ومؤتمرات وبحوث في اللسانيات الوظيفية،وانضم إليها كثير من اللسانيين أمثال مارتيني بنفنيست  تينيير ويلمسليف وغيرهم،لكن نشاطها لم يستمر إلاّ لعشر سنوات،حيث حلّت الحلقة عام 1938،وتفرّق باحثوها عند قيام الحرب العالمية الثانية، لكن أعمالها ازدهرت في أمريكا ممثلة في أعمال "جاكبسون" وفي فرنسا ممثلة في أعمال "مارتيني" .

المطلب الثاني: مبادئ هذه المدرسة:

انطلقت هذه المدرسة من تحديد للغة باعتبارها نظاما وظيفيا، لذلك ركّزت على دراسة هذه الوظيفة الحقيقية للغة، والمتمثلة في الاتصال (كيف يتمّ ؟ ولمن يوجّه ؟ وفي أيّ مناسبة ؟)، لأنّ اللغة في المقام الأول نظام للاتصال والتعبير من أجل الرقيّ والتفاهم المشترك. 

اللغة ظاهرة طبيعية فعلية ذات واقع مادي(حقيقة واقعية)، يتصل بعوامل خارجة عنها في البنية الاجتماعية، بعضها يتصل بالسامع، وبعضها يتصل بالموضوع الذي يدور حوله الاتصال أو الكلام، ومن ثمّ فمن الضروري أن نفرّق بين لغة الثقافة بصفة عامة وبين لغة الأعمال الأدبية، وبين لغة المجلات العلمية ولغة الصحف اليومية، وبين لغة الشارع ولغة المكتب . 

تتصل اللغة بكثير من المظاهر العقلية والنفسية للشخصية الإنسانية، ومن ثمّ فإنّ البحث اللغوي ينبغي أن يدرس العلاقة بين البنية اللغوية والأفكار والعواطف التي توصلها هذه البنية.

تختلف اللغة المنطوقة عن اللغة المكتوبة، وهما ليستا متطابقتين، فلكلّ واحدة منها خصائصها المميّزة، ومن ثمّ فإنّ العلاقة بينهما تحتاج إلى دراسة علمية.

استثمار مفاهيم "سوسير" في الدراسة الوظيفية للصوت اللغوي، مثل التقابل، النظام، العلاقات التركيبية والاستبدالية، ثنائية اللغة والكلام  وغيرهم.

الدراسة الوصفية للغة ينبغي أن تكون هدف علماء اللغة الأوّل، لأنّها تملك تأثيرها المباشر على الواقع اللغوي الفعلي، وهي أفضل طريقة لمعرفة جوهر اللغة وخواصها المميّزة،لكن هذا لا يعني استبعاد الدراسة التاريخية من البحث اللغوي، إنما ينبغي أن تكون هذه الدراسة في ضوء الوصفية دائما، حيث ينبغي الأخذ في الاعتبار تصور اللغة كنظام وظيفي (يهدف إلى تحقيق التواصل) عند دراسة حالات لغوية ماضية، فهذه الدراسة لا ينبغي أن تهمل فكرتي النظام والوظيفة، كما أنّ الوصف لا يمكن أن يهمل فكرة التطور، ومن هنا لا يمكن الفصل بين الدراستين، وهذا ما ألحّ عليه "جاكبسون"، إذ يرى أنّ الطابع الوظيفي للغة يجب أن يشمل الحالة الآنية للغة والحالة التاريخية أيضا.  

إنّ البحث الفونولوجي يجب أن يتجّه أوّلا إلى دراسة التقابلات الفونيمية، لأنها ذات دلالة ومعنى على المستوى المورفولوجي، ومن ثمّ لا ينبغي فصل الظاهرة المورفولوجية عن الظاهرة الفونولوجية، فعادة ما ترتبط التقابلات الفونيمية بالتغيرات الصرفية . 

  لقد قامت هذه المدرسة على المبادئ والأصول النظرية التي أرسى دعائمها "سوسير"،وكان المستوى الصوتي للغة موضع اهتمام كبير من هذه المدرسة،فأهمّ إنجاز قدّمته هو مناقشاتها الواسعة حول مفهوم الفونيم،  حيث اتخذت من تصوّر " بدوان دي كورتني Boudouin de courtnay " للفونيم منطلقا لها، فأقامت نظرية كاملة في التحليل الفونولوجي، ويعدّ " تروبتسكوي"  مؤسس علم الفونولوجيا أو علم الأصوات الوظيفي الذي يسند دورا مهما للفونيم، والفونيم هو وحدة صوتية وظيفية يتغيّر بها معنى الكلمة إذ استبدلت بوحدة أخرى، فوظيفته التمييز والتفريق بين معاني الكلمات، يقول "تروبتسكوي":" إنّ الفونيم هو وحدة وظيفية قبل كلّ شيء"، ويقول:" يجب على الباحث الفونولوجي أن لا يعتبر في اللفظ إلاّ ما يؤدي وظيفة معيّنة في اللسان"، ويقول أيضا:" الفونيم هو الوحدة الفونولوجية التي لا تقبل التجزئة إلى وحدات فونولوجية أخرى أصغر منها في لغة معيّنة"، وعلى هذا فإنّ هذه الوحدة كيان مجرّد وليست صوتا في ذاتها، بمعنى أنها ليست مجرد طائفة من الأصوات لكنها وحدة فونولوجية مركبة تتحقق عن طريق الكلام، ومفهوم الفونيم تطرّق إليه بعض الباحثين قبل "تروبتسكوي" مثل:" بدوان دي كورتني، سويت  Sweet، جونز Jones، و يسبرسن Yespersen "، لكن "تروبتسكوي" هو من أضفى على هذا المفهوم صبغة علمية وعملية في الوقت ذاته .

ووضع "تروبتسكوي" بعض القواعد ليسهل التمييز بين الفونيم ووجوه تأديته، وهي:

إذا جاء صوتان مختلفان من اللغة نفسها في سياق واحد ولا فرق بينهما، ويمكن مع ذلك استبدال أحدهما بالآخر دون أن يتغيّر معنى الكلمة، فهذان الصوتان هما وجهان اختياريان لفونيم واحد، مثل صوت (R) في اللغة الفرنسية و صوت النون في اللغة العربية، حيث ينطقان بصور مختلفة، وهذه الصور هي صور نطقية لنفس الفونيم، وتسمّى بـ:" Variante أو Allophone.

إذا جاء صوتان في الموقع الصوتي نفسه، ويتغيّر المعنى عند استبدال أحدهما بالآخر، فهذان الصوتان تأديتان لفونيمين مختلفين(هناك صوتان مختلفان ويمثلان حرفين مختلفين)، مثل الراء والغين في العربية فكلاهما فونيم.

قد تختلف تأدية الوحدات الصوتية إذا جاورت حروفا معيّنة، مثل الحركات في اللغة العربية عند مجاورتها للحروف المفخمة، وفي غير هذا الموقع فهي مرققة، وهذا لا يؤثر في المعنى.

وتندرج أفكار "تروبتسكوي" في إطار المفهوم الوظيفي الذي نادت به هذه المدرسة، ولقد بدأ أبحـاثه من حيث انتهى "سوسير"، حيث أقام تصوّره للفونيم على التفرقة التي وضعها "سوسير" بين الثنائية لغة/كلام، حيث ينتمي الفونيم إلى مفهوم اللغة بالمعنى السوسييري، أما الأصوات فتنتمي إلى الكلام، بمعنى أنّ "تروبتسكوي" فرّق بين علم الأصوات (الفونتيك) وعلم الأصوات الوظيفي (الفونولوجيا) .

الفونتيك: يحلّل أصوات اللغة وهي مستقلة عن غيرها، أي من حيث كونها مادة منطوقة،وبغضّ النظر عن أدوارها في البناء اللغوي،والوحدة التي يعالجها هي الألوفون و يتفرعهذا العلم إلى:

علم الأصوات النطقي: والذي يهتم بكيفيات إصدار الأصوات، وتحديد مخارج الأصوات وبيان صفاتها.

علم الأصوات الفيزيائي: والذي ينظر في الذبذبات التي تحدثها الأصوات في الهواء فيدرسها ويحللّها.

علم الأصوات السمعي: والذي يهتم بوقع هذه الأصوات في أذن السامع، وهذا الفرع ذو جانبين:

1. جانب عضوي أو فيزيولوجي: وينظر في الذبذبات التي تستقبلها الأذن، وفي آلية الجهاز السمعي ووظائفه عند استقبال الذبذبات.

2. جانب نفسي: وينظر في تأثير الذبذبات على أعضاء السمع، وعملية إدراك السامع للأصوات، وكيفية هذا الإدراك.

الفونولوجيا: وتعالج قيّم ووظائف الأصوات(الفونيمات) داخل البناء اللغوي، بوصفها وحدات فونولوجية مجرّدة.فـ: "النون" ـ مثلا ـ في كلمة  "نهر" من الناحية النطقية غير النون في كلمة "من"، والفتحة الأولى في "بطر" غيرالثانية والثالثة، وما يجعلنا نسوّي بين هذه التنوعات الفردية الراجعة إلى سياق صوتي معيّن، ونعتبرها صوتا واحدا، كونها متطابقة من حيث الوظيفة، رغم اختلافها في التكوين.  

تؤدي الفونيمات وظيفتين، وهما:

وظيفة إيجابية: حينما يساعد على تحديد معنى الكلمة التي تحتوي عليه، ففونيم "النون"  ـ مثلا ـ يشترك مع غيره من الفونيمات في تحديد معنى كلمة "نهر".

وظيفة سلبية: حينما يحتفظ بالفرق بين كلمة ما من حيث المعنى والكلمات الأخرى، فكلمة "نهر" مختلفة عن كلمات مثل:"سهر، مهر...".

ويــرى" تروبتسكوي" أنّ الوظيفة الأســاسية للوحدات الفونولوجية هي "الوظيفة التمييزية Fonction distinctive la "، فما يساعد على تعريف الفونيم تعريفا علميا هو أنه يدخل في تضاد أو تقابل فونولوجي،إذ ليس بإمكان أيّ فونيم تأدية وظيفة تمييزية إلاّ إذا كان مضادا لفونيم آخر،  ويعرّف التضاد بقوله:" إنه كلّ تضاد فونولوجي بين صوتين مختلفين يمكن أن يميّز بين معان فكرية في لغة معيّنة"، ومن أمثلة التضاد التقابل بين الأصوات من حيث صفتي الجهر والهمس وذلك بين: س/ز، ت/د، ث/ذ، والتقابل من حيث المخرج بين: ب/خ، م/ع.

والوظيفة التمييزية التي تؤديها الوحدة الصوتية ليست وظيفة ذاتية تكمن في طبيعة الصوت، إنما هي نتيجة لاصطلاح وتواضع الجماعة اللغوية، لذلك اختلفت الوظائف التي تقوم بها الأصوات في اللغات على اختلافها، فالراء والغين فونيمان في اللغة العربية يفرّقان بين المعاني، وهما فونيم واحد في اللغة الفرنسية .

والفونيمات قادرة على التمييز بين الكلمات في كلّ اللغات لا من حيث إبدالها بفونيمات أخرى فحسب، بل من حيث ترتيبها وموقعها في البنية اللغوية، مثل التقابل بين Cat و Act في اللغة الإنجليزية، حيث تكونت هذه الكلمات من الفونيمات نفسها لكن بترتيب مختلف، وهذا يشبه إلى حدّ كبير فكرة التقاليب والتباديل في الاشتقاق الأكبر، وهي الفكرة التي بنى عليها الخليل بن أحمد الفراهيدي معجمه "العين".، ومثل هذه الفونيمات هي فونيمات تركيبية، وتشمل كلّ الصوامت والصوائت، وهناك فونيمات أخرى فوق تركيبية، وتتمثل في النبر، والتنغيم وطول الصوت...

وأضاف "جاكبسون"  فكرة الملامح المميزة "  Traits distinctifs"، والتي طوّرت الدراسة الفونولوجية، ويقصد بها الخصائص الصوتية التي تميّز فونيما عن فونيم آخر، بمعنى أنّ كلّ ملمح مميّز يقف في تقابل محدّد مع غيابه أو مع ملمح آخر في فونيم آخر، مثل: b / p، d / t (التقابل من حيث صفتي الجهر والهمس).

والفونيم عند "جاكبسون" مجموعة من الملامح المميّزة التي تنبع من الخصائص النطقية والسمعية، والتي تحدّد كلّ صوت من أصوات اللغة، كالمخرج وصفات الصوت، ونظرا لدقة هذه الملامح استعان "جاكبسون" في تحديدها بآلات خاصة لتحليل الأصوات على شكل موجات صوتية، وتطورت هذه الدراسة وأصبحت تعرف بـ:" علم الأصوات التجريبي أو الآلي" .

واشتهر "جاكبسون " بنظريته الفونولوجية التي تنصّ على وجود نظام سيكولوجي كلّي (Universel) تشترك فيه جميع اللغات، ويرى أنّ الاختلافات في أصوات اللغات عبارة عن اختلافات سطحية لنظام تحتي ثابت، وبيّن أنّ هذا النظام الفونولوجي الكلّي يتضمّن اثنتي عشرة سمة ثنائية مميّزة تتصف بها كلّ اللغات منها: مجهور/ مهموس، صائت/صامت، زفيري/شهيقي، أنفي/شفهي، غليظ/حاد...

 ومن هنا ظهرت نظرية الفونولوجيا عند أعضاء مدرسة "براغ"، التي تميّز بين أصوات اللغة من حيث وظيفتها أو دلالتها، فاللغة لا تميّز الصوت على أساس إنتاجه، بل على أساس التقابلات بين الأصوات التي تميّز الكلمات، فلكلّ صوت مجموعة من السمات والملامح التي تميّزه عن أصوات اللغة الواحدة.

المطلب الثالث: الفرق بين اللسانيات البنوية الصورية واللسانيات الوظيفية:

مبدئيا، نقصد هنا بالتيار الوظيفي كل تيار لساني يربط بين خصائص اللغة ووظيفتها التواصلية، في حين أن اللسانيات الصورة تفصل اللغة عن وظيفتها التواصلية.

1 - النظريات الصورية تنظر اللغة باعتبارها نسقا (نظاما) مجردا، أما اللسانيات الوظيفية فترى في اللغة وسيلة للتواصل، بعبارة أخرى أنها نسق رمزي يؤدي مجموعة من الوظائف، أهمها التواصل.

2 - تنطلق الوظيفية من فرضية مفادها أن بنيات اللغة لا ترصد خصائصها إلا إذا ربطت هذه البنات بوظيفة التواصل، أما التيار الصوري فينطلق من مبدأ أن اللغة نسق مجرد يمكن وصف خصائصه من دون الحاجة إلى الوظيفة.

3 - بالنسبة للتيار الصوري فإن قدرة المتكلم/السامع هي معرفته بالقواعد اللغوية، أما التيار الوظيفي فهذه القدرة هي معرفة القواعد التي تمكن من تحقيق التواصل.

لقد شعر دي سوسير منذ بداية محاضراته بصعوبة تحديد موضوع اللسانيات، لذلك وضع شروطا لتحديد موضوع الدراسة، يختصرهما في النهاية في شرطين هما :

أن يكون كلي (integral) و حقيقي (Concret). وهو في هذا يقول: "... بعض العلوم موضوعاتها محددة سلفا... ولكن في علمنا لا شيء من هذا القبيل" ليصل إلى ملاحظة هامة جدا وهي: "... في العلوم الموضوع يسبق وجهة النظر، ويمكننا القول أن في اللسانيات وجهة النظر هي التي تخلق الموضوع ". انطلاقا من هذه الحقيقة يمكن القول أن النموذج الذي قدمته الوظيفية هو من حقق المطلب المنهجي لدي سوسير.

الخاتمة:

من الصعب جدا الإحاطة بما جاء به علم اللسان الحديث، من مبادئ ومفاهيم ونظريات، إذ أن اللسانيات الحديثة هي نتاج قارة بأكملها، ونتاج حضارة تتخذ المركز في هذا العالم، وهي في أوج عطائها العلمي والمعرفي، وذلك على مدى قرن من الزمان تقريبا، هذا سبب، يضاف إلى ذلك أسباب تكاد تكون لها الأهمية نفسها، وهو الاختلاف والتعارض والتنوع في ذلك النتاج العلمي، يضاف إلى كل هذا الكم الهائل من الأعلام والعلماء واللسانين الذين توزعت مشاربهم ورؤاهم وأفكارهم، وامتاز البعض منهم بعطاء علمي وافر وزخم معرفي جم. فلقد تنوعت اللسانيات العامة الحديثة - بشكل عام - (في القرن العشرين) إلى: اللسانيات البنوية، اللسانيات التوليدية التحويلية، اللسانيات التداولية. والبنوية ليست واحدة، بل بنوات عدة، تتوزع أوربا و أمريكا، فهناك البنوية الروسية (مدرسة قازان، وموسكو،...)، وهناك البنوية الأمريكية (اللسانيات السلوكية، اللسانيات التوزيعة،...) وهناك اللسانيات الأوروبية، التي تظهر أكثر ما تظهر في حلقات (أو مدارس)، مثل مدرسة جنيف، مدرسة كوبنهاغن، المدرسة الجلوسيمية، المدرسة الانجليزية، وأخيرا الاتجاه الوظيفي، وأبرز من يمثل هذا الاتجاه حلقة براغ، والوظيفية التركيبية. وتتميز المدرسة الوظيفية - عن غيرها من المدارس اللسانية - باعتقادها أن البني الصوتية، والتركيبية، والدلالية محكومة بالوظائف التي تؤديها في المجتمع.

المراجع:

1. أحمد مومن ، اللسانيات النشأة والتطور، ديوان المطبوعات الجامعية، ف6، مدرسة براغ.

2. الطيب دبة، مبادئ اللسانيات البنيوية، جمعية الأدب للأساتذة الباحثين، 2001.

3. محمد محمد يونس علي، مدخل إلى اللسانيات، الاتجاهات اللسانية، دار الكتاب الجديد، المتحدة.

4. خوله طالب الإبراهيمي، مبادئ في اللسانيات، الجزائر، 2000، دار القصبة للنشر.

5. نعمان بوقرة، المدارس اللسانية المعاصرة، مكتبة الآداب بجامعة عنابة.

6. أحمد مؤمن، اللسانيات: النشأة والتطور، 2005، ديوان المطبوعات الجامعية.

أ‌. منور، مفهوم الخطاب الشعري عند رومان جاكبسون، مجلة اللغة والآداب.

7. أندري مارتينيه، مبادئ ألسنية عامة، ترجمة: ريمون رزق الله، دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع س.م.م، ط1، 1990.


إرسال تعليق

0 تعليقات