بحث حول جريمة الرشوة

 

بحث حول جريمة الرشوة

مقــدمــة:

يعتبر الفساد بمختلف أنماطه مسألة تشغل تفكير الباحثين والسياسيين والإداريين والأفراد العاديين على حد سواء.

فالفساد السياسي يعتبر إشكالية قديمة تعود إلى أقدم الحضارات البشرية وبالتالي فالفساد السياسي يعتبر معضلة لا يستثنى منها أي نظام حكم حديث أو معاصر.

بالرغم من أن الفساد قد أصبح ظاهرة مألوفة جدا في إطار المجتمعات المعاصرة، فإن الكثير يتفادى دراسة مثل هذه الإشكالية نظرا لحساسيته وخطورة مثل هذه الدراسات.

ولعل مما يذكر أن العالم قد شهد اهتماما متزايدا في السنوات الأخيرة بقضية الفساد وهو ما تبدى من خلال مناقشات الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي وتقارير التنمية الدولية إلى جانب جهود منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في هذا الشأن.

واستكمالا لهذه الجهود تأسست منظمات دولية غير حكومية ومن أهمها ما عرف (Trausparcuy international) (منظمة الشفافية الدولية التي أسسها سنة 1993 (بيترايجت) احد كبار المسؤولين حسابيين في البنك الدولي وعقدت أول اجتماعاتها في نفس العام مناشدة من الحكومات والشركات التي انضمت إلى عضويتها بالتوقف عن قبول أو تلقي عمولات أو رشاوي.

ونتيجة لخطورة ظاهرة الفساد وتعددت الدراسات التي تناولتها بالفحص والتحليل، وتوصل معظمها إلى نتيجة هامة مفادها أن الفساد يرجع في أحد جوانبه إلى احتكار القوة من قبل المسؤولين إضافة إلى تدني مستوى الشفافية وتراجع نطاق المساءلة.

ونتناول في هذه الدراسة ظاهرة الفساد.

-      تعريف الفساد وأنواعه:

الفساد ظاهرة عالمية تنتشر في كافة المجتمعات على اختلاف درجة نموها السياسي والاقتصادي، الاجتماعي، وتفاقم الفساد على مدى التاريخ وعبر كافة الدول المتقدمة منها والنامية، وقد كان الإسلام سباقا في الإشارة إلى الفساد وكيفية محاربته وهناك العديد من الآيات الكريمة في القرآن الكريم تشير إلى الفساد نذكر:

 ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ سورة البقرة الآية 10.

﴿الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ سورة البقرة الآية 27.

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ سورة البقرة آ 203-204.

﴿... وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ سورة القصص الآية 77.

وهناك العديد من الآيات التي تشير إلى الفساد وآثاره السيئة في الإسلام والمسلمين..

وحاول علماء الإسلام معالجة ظاهرة الفساد بناء على ما جاء في الكتاب والسنة حتى يتم الحد من هذه الظاهرة.

ويوجد تعاريف عدة للفساد تختلف فيما بينها وفقا لطبيعة الفساد ومدى شمولتيه.

عرفت الأمم المتحدة الفساد بأن: «استغلال السلطة العامة لتحقيق مكسب خاص» أما البنك الدولي فقد عرف الفساد بقوله: «الفساد هو الاستغلال الشيء للوظيفة العامة أو الرسمية من أجل تحقيق المصلحة الخاصة».

وخلاصة القول إن الفساد ظاهرة اقتصادية واجتماعية وسياسية توجد في كافة دول العالم، وإن اختلفت في خطورتها من دولة، إلى أخرى، وتتخلص في قيام البيروقراطيين باستغلال مراكزهم من أجل المصلحة الخاصة.

والفساد قد يكون كبيرا عندما يرتبط بالمشروعات الوطنية، كمشروعات البنية التحتية وفي هذه الحالة يقع عبئه على أفراد المجتمع جميعا كما قد يكون صغيرا عندما يكون مرتبطا بالموظفين في المراكز الإدارية.

ويكون ضحاياه في هذه الحالة المواطنين الذين عليهم أن يتحملوا تكاليف إضافية لانجاز.

ومن هذا فإننا سنتناول جريمتين وهما الرشوة والاختلاس.

 

"الــرشـــوة"

لمفهوم الرشوة معان عديدة.

-    الرشوة هي "سوء استخدام المنسب العام لغايات شخصية أو استعمال المال لتحقيق المصالح الخاصة". كما عرفها البعض

-    فساد مالي وعمولات غير شرعية ومكافآت غير قانونية.

-    للرشوة مرادفات التشبيه، "الأموال تحت الطاولة، الشكارة، الباي..."

-    ولقد ذكر ابن عابدين –رحمه الله– في حاشيته.

الرشوة وعرفها بانها "هي من يعطي الشخص الحاكم أو غيره ليحكم له أو يحمله على ما يريد".

ولقد نهى الله عز وجل، في أكل أموال الناس بالباطل فقال سبحانه: ﴿أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ سورة النساء الآية 29.

﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ سورة البقرة الآية 188.

حديث نبوي شريف رواه أحمد والطراني: (لعن الله الراشي والمرتشي والرائش)

تمتاز جرائم الفساد في مجملها بكونها من جرائم ذوي الصفة التي لا تقع إلا من شخص يتصف بصفة معينة وهي موظف أو من في حكمه.

                                                             الاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد

                                                                    المؤرخة في 31/10/2003

بالنسبة العربية الموظف العمومي

بالفرنسية agent public

عرفت صفة الجاني الركن المفترض في جرائم الفساد

يقصد بالرشوة وما في حكمها الاتجار بالوظيفة والإخلال بواجب النزاهة الذي يتوب على كل من يتولى وظيفة أو وكالة عمومية أو يؤدي خدمة عمومية التحلي به.

-       مبحث تمهيدي: صفة الجاني (الموظف العمومي agent public)

عرفت صفة "الجاني التي تشكل الركن المفترض في جرائم الفساد

عرفت الفقرة ب من المادة 2 من القانون رقم 06-01 المؤرخ في 20/02/2006 الوقاية بالوقاية من الفساد على النحو التالي:...

وهو تعريف مستمد من المادة 2 الفقرة أ من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المؤرخة في: 31/10/2003 ويختلف تماما عما جاء في الأمر رقم 06/03 ق.أ العام للوظيفة العمومية ويشمل مصطلح الموظف العمومي كما جاء في القانون المتعلق بالفساد أربع فئات تخصها بالدراسة.

أ‌-    دور المناصب التنفيذية والإدارية والقضائية:

مستوي في ذلك أن يكون معنيا أو منتخبا، دائما أو مؤقتا، مدفوع الأجر أو غير مدفوع الأجر وبصرف النظر عن رتبته أو أقدميته.

1-  الشخص الذي يشغل منصبا تنفيذيا: ويقصد به:

رئيس الجمهورية – رئيس الحكومة العين من قبل رئيس الجمهورية- أعضاء الحكومة.

لا يسأل (خيانة عظمى)           مسـألتـه جـزائيـا

 المحكم العليا للدولة               عن الجنايات والجنح

2-   الشخص الذي يشغل منصبا إداريا: يقصد به كل من يعمل في إدارة عمومية، سواء كان دائما في وظيفته أو مؤقتا، مدفوع الأجر أو غير مدفوع الأجر يصرف النظر عن رتبته

-       العمال الذين يشغلون منصبهم بصفة دائمة:

يقصد بهم الموظفون بالمفهوم التقليدي كما عرفهم القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية وتحديد المادة 4 فيه، نجد أن المشرع قد حصر مفهوم الموظف في كل عون معين في وظيفة عمومية دائمة ورسم في رتبة في السلم الإداري"، وينطبق هذا التعريف على الأعوان الذين يمارسون نشاطهم في المؤسسات والإدارات العمومية.

م ح ف: المؤسسات العمومية- الإدارات المركزية في الدولة- المصالح غير الممركزة الثابتة لها- الجماعات الإقليمية- المؤسسات ع ذات الطابع الإداري.

م ع ذات الطابع العلمي والثقافي والمهني، م ع ذات طابع علمي تكنولوجي.

وكل مؤسسة عمومية يمكن أن يخضع مستخدموها لأحكام هذا القانون.

العناصر الأساسية التي يقوم عليها تعريف الموظف في ق إ هي أربعة:

‌أ.       صدور أداة قانونية يعين بمقتضاها الشخص في وظيفة عمومية (شكل مرسوم رئاسي – ت قرار وزاري أو ولائي أ مقرر صادر عن سلطة إدارية.

‌ب. القيام بعمل دائم (الاستمرار بحيث لا تنفك عنه إلا بالوفاة أو الاستقالة أو العزل أو التقاعد.

‌ج.   الترسيم في رتبة في السلم الإداري لابد من رتبة.

‌د.     ممارسة نشاط في مؤسسة أو إدارة عمومية.

من في حجم الموظف:

أولا: المقصود في ظل قانون الفساد الجديد

ب‌-    من في حكم الموظف "كل شخص آخر معرف بأنه موظف عمومي أو من في حكمه طبقا للتشريع والتنظيم المعمول بهما".

وينطبق هذا المفهوم لاسيما على المستخدمين العسكريين والمدنيين للدفاع الوطني والضباط العموميين.

فإما المستخدمون العسكريون والمدنيون للدفاع الوطني فقد استثنتهم المادة 2 ق أ. ع للوظيفة العمومية في مجال تطبيقه وتحكمهم الأمر رقم 06-02 المؤرخ في: 28/02/2006 المتضمن القانون الأساسي العام للمستخدمين العسكريين.

أما الضباط العموميون لا يشملهم تعريف الموظف العمومي كما ورد في الفقرتين 1 و2 من قانون مكافحة الفساد ولا ينطبق عليهم تعريف الموظف كما ورد في ق أ و ع.

وبالتالي يتولون وظيفتهم بتفويض من قبل السلطة العمومية ويحصلون الحقوق والرسوم المختلفة لحساب الخزينة العامة مما يؤهلهم لكي يدرجوا ضمن من في حكم الموظف العمومي.

 

أركان جريمة الفساد

أولا: الرشوة السلبية (جريمة الموظف المرتشي)

وهو الفعل المنصوص والمعاقب عليه في المدة 25 فقرة 2 من قانون الوقاية ومكافحة الفساد، ومنه يستفاد ثلاث عناصر.

1-   صفة الجاني: وتقتضي أن يكون المتهم موظفا عموميا وقد سبق تناول هذا.

2-    الركن المادي: ويتحقق بطلب الجاني أو قبوله مزية غير مستحقة نظير قيامه بعمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه.

ويتمثل ف أربعة عناصر أساسية هي:

‌أ-     النشاط الإجرامي: يتمثل يف إحدى الصورتين: القبول أو الطلب وهاتان الصورتان على قدم المساواة في تحقيق النشاط الإجرامي.

* - الطـلـب: هو تعبير يصدر عن الإرادة المنفردة للموظف العمومي يطلب فيه مقابلا لأداء وظيفته أو خدمته، ويكفي الطلب لقيام الجريمة متى توافرت باقي أركانها حتى ولو لم يصدر قبول من صاحب الحاجة أو المصلحة، بل حتى ولو رفض صاحب المصلحة الطلب وسارع بإبلاغ السلطات العمومية ويشكل مجرد الطلب جريمة تامة فالشروع هنا لا يتميز عن الجريمة التامة، والسبب في ذلك يرجع إلى أن هذا اطلب في حد ذاته يكشف عن معنى الاتجار بالوظيفة والخدمة واستغلالها وقد يكون الطلب شفويا أو كتابيا، كما قد يكون صراحة أو ضمنا، ويستوي أن يطلب الجاني المقابل لنفسه أو لغيره، فتقوم الجريمة في حالة طلب الموظف المقابل لشخص آخر غيره.

ويستوي أن يقوم الجاني بنفسه بالطلب أو أن يقوم شخص آخر بمباشرته باسمه ولحسابه.

* - القـبول: يفترض القبول من جانب الموظف العمومي المرتشي أن يكون هنا لو عرض من صاحب الحاجة يعبر فيه عن إرادته بتعهده بتقديم الهدية أو المنفعة إذا ما قضي له مصلحته.

ويشترط أن يكون عرض صاحب الحاجة جديا ولو في ظاهره فقط.

كما لو قصد العارض من عرضه أن يسهل للسلطات العمومية ضبط الموظف متلبسا بجريمة الرشوة.

أما إذا انتفى العرض الجدي في الظاهر فلا تقوم جريمة الرشوة حتى ولو قبل الموظف مثل هذا العرض، كأن يَعِدُ صاحب الحاجة الموظف بإعطائه "عينة" أو "مال قارون" لقاء قيامه بعمل معين لصالحه، فالظاهر هنا هو أن العرض غير جدي.

كما يشترط أيضا أن يكون قبول الموظف جديا وحقيقيا، فإذا ما تظاهر الموظف العمومي بقبول عرض صاحب الحاجة ليمكن السلطات العمومية ضبطه متلبسا بالجريمة، فإن إرادته التي عبر بها عن قبوله لا تكون جدية ومن ثم لا يتوافر القبول الذي تقوم به جريمة الرشوة.

ويستوي في القبول أن يكون شفويا أو مكتوبا بالقبول أو بالإشارة صريحا أو ضمنيا، وتتحقق الجريمة في صورة القبول سواء كان موضوعه هبة أو هدية تسلمها الجاني بالفعل أو دعا بالحصول على الفائدة فيما بعد.

وتتم الجريمة في صورتي القبول والطلب بصرف النظر عن النتيجة ومن ثم لا يهم إن امتنع صاحب الحاجة بإرادته عن الوفاء بوعده أو إذا حالت دون ذلك ظروف مستقلة عن إراداته.

‌ب- محل الجريمة:

ويقصد به المقابل ويتمثل حسب المادة 25 فقرة 2 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته في " مزية غير مستحقة".

* مدلول المزية: تأخذ المزية عدة معاني وصورة فقد تكون ذات طبيعة مادته أو معنوية، وقد تكون صريحة أو ضمنية، مشروعة أو غير مشروعة، محددة أو غير محددة.

فالمزية المادية المعنوية فقد تكون المزية وأمثلتها عديدة لا تحصى فقد تكون مالا عينا كمصوغ من الذهب أو ساعة و سيارة أو أثاث، وقد تكون نقدا أو شيكًا أو فتح اعتماد مالي لمصلحة المرتشي أو سداد دين في ذمته أو منحة مهلة غير محددة الأجل لدفع ثمن أو سداد دين أيا كان، وقد يكون القيام يعمل مجانًا وقد تكون المزية أو المنفعة ذات طبيعة معنوية وتكون كذلك في الحالة التي يصير فيها وضع المرتشي أفضل من ذي قبل نتيجة لسعي الراشي كحصول الموظف المرتشي على ترقية أو السعي في ترقيته أو إعارته أي شيء يستفيد منه ويروه بعد ذلك إلى الراشي بعد استعمال طويل الأجل كإعارته سيارته مثلا.

والمزية الصريحة والضمنية قد تكون الصريحة ظاهرة كما قد تكون ضمنية مستترة وتكون في صورة ما إذا استأجر الراشي مسكنا لموظف ويتحمل الراشي أجرة السكن أو مقابل أجرة زهيدة أو مخفضة يدفعها الموظف، أو في قيام الراشي بأداء عمل للموظف دون أجر كما لوضع له أثاثا أو أصلح له سيارته بدون مقابل.

وقد تكون المزية في صورة تعاقد مع الراشي بشروط في صالح المرتشي كما لو باع الأول للثاني عقاراً بأقل من ثمنه أو اشترى منه عقارا بأكثر من ثمنه والمزية المشروعة وغير المشروعة ف فيستويان في ذاتها، فيجوز أن تكون مواد مخدرة أو أشياء مسروقة أو شيكً بدون رصيد.

غير أن المنفعة الذاتية كإشفاء الغليل مثلا، لا تكفي لقيام جريمة الرشوة والمزية محددة وغير المحددة فلا يشترط أن تكون المزية محددة وإنما يكفي أن تكون قابلة للتحديد، وإذا تحققت المزية بالمعنى السابق وتوافرت باقي الشروط تقع جريمة الرشوة، إما إذا انتفت المنفعة معها جريمة الرشوة، كأن يكون ما حصل عليه الموظف المتهم بالرشوة ما هو إلا سداد دين حال ومحقق أو كان هدية تبررها صلة القربى التي تجمع بين صاحب الحاجة والموظف.

وإن كان المشرع لم يشترط حدا معينا لقدر المال أو المنفعة التي يحصل عليه المرتشي، فالأصل أن تكون لها قيمة أو تكون على الأقل قيمتها متناسبة مع أهمية العمل الذي يقوم به الموظف ومن ثم لا يعد منفعة سيجارة أو قطعة حلوى أو تهوى إلى موظف على سبيل المجاملة وذلك بالنظر لضآلة الفائدة المتحصل عليها.

* عدم استحقاق المزية: يجب أن تكون المزية غير مستحقة وتكون كذلك إذا لم يكن من حق الموظف العمومي تلقيها، وبناء على ما سبق يعاتب الموظف العمومي حتى وإن كان العمل الذي وعد بآدائه مشروعا ما دام هذا العمل غير مقرر له أجراً ومن هذا القبيل الموظف الذي يطلب مالا ويقبضه للقيام بعمل يدخل في صميم وظيفته كرئيس البلدية الذي يطلب أو يقبل مالا لتلقي تصريح بالميلاد أو بالوفاة أو لتسليم شهادة إقامة.

* الشخص الذي يتلقى المزية: فالأصل أم يطلب المرتشي (الموظف العمومي) المزية لنفسه أو يقبلها لنفسه نظير قيامه بآداء الخدمة للراشي صاحب المصلح، ومع ذلك فمن الجائز أن تقدم الرشوة إلى شخص غيره، كما حرصت المادة 25 فقرة 2 على توضيحه بنصها "سواء كان ذك لصالح الموظف نفسه أو لصالح شخص أو كيان آخر" فمن المحتمل أن يعين الموظف المرتشي شخصا آخر تقدم إليه المزية، قد يكون صديقا أو قريبا، وقد لا يعلم هذا الشخص بسبب تقديم المزية وفي جميع الأحوال لا يجوز الموظف المرتشي أن يدفع بأنه لم يطلب أو يقبل الرشوة لنفسه، فيستوي أن يطلبها أو يقبلها لنفسه أو لغيره.

وقد يكون الغير في وضعين هما:

-       فقد يسهم في ارتكاب الجريمة بمساعدة المرتشي أو الراشي أو معاونته، كأن يتوسط بينهما فيكون عندئذ شريكاً.

-       وقد يكون مجرد مستفيد من الرشوة دون أن يتدخل في ارتكابها، فيكون عندئذ مخفيا.

‌ج- الغرض من الرشوة:

يتمثل في النزول عند رغبة الراشي، مجاملة له وفق الشروط الأتي بيانها:

 

§       أداء المرتشي لعمل ايجابي أو الامتناع عنه:

تقتضي الجريمة أن يتخذ الموظف المرتشي موظفا ايجابيا أو موقفا سلبيا فقد يكون أداء عمل معين يفيد قيام الموظف العمومي بسلوك ايجابي تتحقق به مصلحة الحاجة مثل القاضي الذي يصدر حكما مطابقا للقانون نظير حصوله على منفعة معينة.

وقد تكون عبارة عن سلوك سلبي من جانب الموظف العمومي بأن يتخذ صورة الامتناع عن أداء العمل الوظيفي.

§       يجب أن يكون العمل من أعمال وظيفة المرتشي:

تشترط المادة 25 فقرة 2 أن يكون العمل الذي يؤد به المرتشي أو يمتنع عن أدائه لقاء المزية يدخل في اختصاصه.

ويجب التمييز بين عدم الاختصاص وعدم مطابقة العمل للقانون، فخروج العمل من اختصاص الموظف ينفي مبدئيا أحد عناصر جريمة الرشوة في حين أن كونه غير مطابق للقانون لا يفقد الرشوة شيئا من عناصرها.

ومن النص نجد أن المشروع حصر الرشوة في العمل الذي يدخل في اختصاص الجاني.

د‌-   لحظة الارتشاء:

يشترط لقيام الجريمة أن يكون طل المزية أو قبولها قبل أداء العمل المطلوب او الامتناع عن أدائه، وفي هذا الصدد فإن الجريمة لا تقوم إلا إذا كان الاتفاق الحاصل بين المرتشي والراشي سابقا لأداء العمل محل المكافأة أو الامتناع عنه كما قضي بأن الطلب لا يعاقب عليه إلا إذا كان سابقا للعمل أو للإمتناع الذي يتم مقابل الهدية، ومن ثم لا تقوم الرشوة إلا إذا كان طلب المزية أو قبولها سابقا للعمل الذي أداه المرتشي أو امتنع عن أدائه إرضاء للراشي، أما إذا كان طلب المزية أو قبولها لاحقا أي جاء بعد أداء العمل أو الامتناع عنه، فلا محل للرشوة في هذه الحالة.

3-  القصد الجنائي: الرشوة جريمة قصدية تقتضي لقيامها توافر القصد الذي يتكون من عنصري العلم والإرادة.

فيجب أن يعلم المرتشي بتوافر جميع أركان الجريمة، فيعلم أنه موظف عمومي بمفهوم المادة 2 ب من قانون مكافحة الفساد وأنه مختص بالعمل المطلوب فيه وأن المزية التي طلبها أو قبلها نظير العمل الوظيفي غير مستحقة، ويجب أن يعلم بذلك عند الطلب أو القبول فإذا انتفى العلم بأحد العناصر السابقة انتفى القصد الجنائي.

وتطيقا لذلك إذا انتفى عم المتهم بأنه موظف عمومي كما لو لم يبلغ بعد قرار تعيينه أو اعتقد أنه عزل من وظيفته بناء على إشعار مزور أبلغ به أو اعتقد أن الهدية المقدمة إليه كانت لغرض من بريء وليس مقابلا لعمل أو امتناع ينتظره صاحب الحجة فيه أو إذا اعتقد ما تلقاه مستحق.

ويجب أن تتجه إرادة الموظف إلى الطلب أو القبول وفقا للمعني الذي سبق تحديده لكل منهما، وتطبيقا لذلك لا تتوافر الإرادة ومن ثم ينتفي القصد الجنائي حين يدس صاحب الحاجة مبلغا من المال في يد الموظف أو في ملابسه أو في مكتبه فيسارع على الفور إلى رفض هذا المبلغ وإعادته أو تبليغ السلطات عنه ولا يتوافر القصد أيضا في حالة ما إذا تظاهر الموظف باتجاه الإرادة لديه إلى قبول العرض الذي يقدمه الراشي قاصدا في الحقيقة الإيقاع يعارض الرشوة والعمل على ضبطه متلبسا بالجريمة من قبل السلطات العمومية والقصد العام يكفي لقيام الجريمة.

ثانيا: الرشوة الايجابية (جريمة الراشي):

وهو الفعل المنصوص والمعاقب عليه في المادة 25/1 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته.

إذا كانت جريمة الرشوة السلبية تقتضي أن يتاجر الجاني (الموظف المرتشي) بوظيفته فالأمر يختلف عن ذلك في جريمة الرشوة الإيجابية التي يتعلق الأمر فيه بشخص (الراشي) يعرض على موظف عمومي (المرتشي) مزية غير مستحقة نظير حصوله على منفعة بإمكان ذلك الشخص توفيرها له.

ومن ناحية أخرى، إذا كانت جريمة الرشوة السلبية تقتضي صفة معينة في الجاني وهي أن يكون موظفا عموميا فإن المشرع لم يشترط صفة معينة في جريمة الرشوة الإيجابية.

ويستفاد من النص القانوني توافر الأركان الآتي ذكرها.

1-   الركن المادي: ويتحقق بوعد الموظف العمومي بمزية غير مستحقة أو عرفها عليه أو منحه إياها مقابل قيامه بأداء عمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه ويتحلل هذا الركن إلى ثلاثة عناصر وهي:

‌أ-     السلوك المادي: ويتحقق باستعمال إحدى الوسائل الآتية: الوعد بمزية أو عرضها أو منحها.

ويشترط أن يكون الوعد جديا وأن يكون الغرض منه تحريض الموظف العمومي على الإخلال بواجبات الوظيفة وأن يكون محددا.

وهكذا يعد راشيا الشخص الذي يعرض هدية أو يعطيها للموظف العمومي لحمله على أداء عمله من أعمال وظيفته، ولا يعفى من العقاب إلا إذا كان مضطرا على ارتكاب الجريمة بقوة ليس في استطاعته مقاومتها وفقا لأحكام 48 من قانون العقوبات.

وقد قضي بقيام الجريمة في حق من سلم مبلغا من المال إلى مسؤول في مؤسسة عمومية للفوز بمشروع.

ويستوي أن يكون الوعد بالمزية أو عرضها أو منحها بشكل مباشر أو غير مباشر فسيان لو تم الوعد أو العرض مباشرة للموظف أو عن طريق الغير.

وكن السلوك المادي يتم بطريقتين:

- الطريقة الأولى: تتمثل في لجوء الجاني إلى التعدي أو التهديد أو الوعود أو العطايا أو الهدايا أو غيرها من الميزات: وهي وسائل ترغيبية باستثناء التعدي والتهديد اللذين يفيدان الترهيب.

- الطريقة الثانية: وتتمثل في استجابة الجاني لطلبات الموظف، وهي الطلبات التي يكون الغرض منها عطية أو وعدا أو أية منفعة أخرى.

وتقوم الجريمة حتى ولو لم يكن الراشي هو الذي بادر إلى الرشوة وإنما كانت بمبادرة من غيره.

‌ب-  المستفيد من المزية: الأصل أن يكون الموظف العمومي المقصود هو المستفيد من المزية الموعود بها أو المعروضة أو الممنوحة، ولكن من الجائز أن يكون المستفيد شخصا آخر غير الموظف العمومي المقصود وقد يكون هذا الشخص طبيعيا أو معنويا.

ج‌-    الغرض من المزية: ويتمثل في حمل الموظف العمومي على أداء عمل أو الامتناع عن أداء عمل من واجباته وبذلك تشترك الرشوة الايجابية مع الرشوة السلبية في الغرض.

ويجب أن يكون العمل المطلوب من الموظف تأديته أو الامتناع عن تأديته لقاء المزية يدخل في اختصاصه على النحو الذي سبق بيانه في الرشوة السلبية ولا يهم إن أدى سلوك الراشي إلى النتيجة المرجوة أو لم يؤد، كما قضى قضاء بأنه لا يهم إن تبين أن القرار الذي صدر لصالح الراشي لا يجد نفعا أو أنه بدون موضوع، فالوسيلة المستعملة هي المقصودة بالعقاب، وكانت فيما سبق المادة 129 ق ع الملغاة أكثر وضوحا عندما نصت على تجريم الفعل سواء أدت الرشوة إلى النتيجة المرجوة أو لم يؤد.

ولا يهم المستفيد الحقيقي من أداء العمل أو الامتناع عنه، فقد يكون الامتياز الذي يسعى الراشي إلى بلوغه من وراء عضه المزية أو منحه إياها أو الوعد بها لصالح شخص أخر غيره.

القصد الجنائي: نفسه القصد الذي تتطلبه جريمة الرشوة السلبية.

 

 

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات