جريمة القتل العمدي
حيث أن الحق في الحياة
يختلف إذا كان الإنسان جنينا عما إذا كان مستقلا عن جسم أمه، فحياة الجنين حياة
مستقبلية احتمالية في حين حياة الإنسان المولود حيا تعتبر حياة يقينية وبالتالي
يحميها المشرع بنصوص القتل والجرح والإيذاء ولذلك يتضح أن هناك تفاوتا بين الحقين
من حيث القيمة القانونية ومدى جدارة كل منها بالحماية الجنائية فالحياة الحالية
أكثر أهمية في نظر القانون من الحياة
المستقبلية، ولذلك في حالة قام تنازع بينهما فتطبيقا لمبدأ جواز التضحية
بالحق ذي القيمة الأقل للحق ذي القيمة الأكبر، يجب التضحية بالأول فلا تقوم
المسؤولية الجنائية عند التضحية بحياة الجنين إنقاذا لحماية الأم الحامل بل وإنقاذ
لصحتها.
ولذلك تعددت الآراء حول
بداية الحياة العادية للإنسان فيذهب رأي إلى الحياة العادية للإنسان تبدأ ببداية عملية الولادة لا
بانتهائها أو بلحظة متوسطة بين بدايتها ونهايتها ذلك أن هذه اللحظة هي التي يصبح
عندها الجنين صالحا للحياة خارج جسم أمه، وقابلا للتأثير تأثيرا كليا بالعالم
الخارجي.
بينما يذهب رأي آخر إلى
أن الإنسان يمكن أن يكون محلا لجريمة القتل منذ أن تكون الولادة قد تمت فعلا.
والغالب يذهب إلى تأييد
الرأي الأول الذي يتبناه غالبية المتخصصين في الفقه الجنائي، فالحياة العامة تبدأ
منذ بداية عملية الولادة فعليا، وبذلك إذا أخطأ الطبيب في عملية الولادة خطأ أدى
إلى وفاة المولود فإنه يسأل عن جريمة قتل خطأ، بينما إذا اعتبرنا الإنسان لا يزال
جنينا في هذا الوقت فلا مسؤولية على الطبيب، حيث أن جريمة الإجهاض جريمة عمدية،
ولا يمكن أن تقوم بالخطأ أي بالفعل غير
عمدي.
وإذا بدأت الحياة
العادية للإنسان ببداية الولادة، ومن باب أولى بانتهاء عملية الولادة، فالمولود
يصبح محلا للحماية ووفقا للنصوص الخاصة بالقتل والجرح... مهما كان جنسه ذكر أم
أنثى، كما لا عبرة لسن المجني عليه أو مستواه الاجتماعي، فالقانون يحمي حق الإنسان
في الحياة سواء كان متعلما أو جاهلا غنيا أو فقيرا وطنيا أو أجنبيا مفيدا للمجتمع
أو عنصرا ضارا به.
فيبقى حق الحياة مصونا
حتى وإذا كان المجني عليه مجرما خطيرا وحتى إذا كان محكوما عليه بالإعدام إذ أن
تنفيذ حكم الإعدام يجب أن يتم وفق أحكام القانون.
وكذلك لا يشترط في
المولود قابليته للحياة لكي يكون محلا للحماية التي تنص عليها نصوص القتل والجرح،
بل يستوي في نظر المشرع أن يكون المجني عليه بصحة جيدة ومعافى أو أن يكون مصابا
بمرض يؤدي إلى الموت حتما أي حتى وإذا كان القتل إنهاء لحياة المريض إشفاقا عليه
من الآلام التي يعاني منها، وحتى وإن كان ذلك بناء على رجاء المريض أو أهله.
كما يستوي أن يكون
المجني عليه إنسانا عاديا كامل الخلقة أو أن يكون مشوها غير طبيعي، ولو كان تشويهه
يقدر بموت عاجل طالما أن تشويهه لا يخرجه من عداد الكائنات البشرية أما إذا كان ما
أخرجته الأم كائنا غير متضح المعالم فهو ليس محلا للحماية القانونية.
أما انتهاء حياة
الإنسان فهي تنتهي حين يلفظ الإنسان أنفاسه الأخيرة، وحتى هذه اللحظة يبقى الإنسان
جدير بالحماية الجنائية.
واشتراط أن يكون
الإنسان على قيد الحياة يثير مسألة الجريمة المستحيلة وقد عرفت هذه الأخيرة بأنها
حالة ما إذا لم يكن في وسع الجاني في الظروف التي أتى فيها فعله أو في وسع شخص آخر
مكانه أن يحقق النتيجة الإجرامية، وتبدو
الجريمة المستحيلة واضحة في حالة كون الإنسان الذي يقصد الفاعل قتله قد فراق
الحياة قبل ارتكاب سلوك الاعتداء عليه وقد ثار الخلاف في الفقه لعدم وجود نص يعالج هذا الموضوع واستقر القضاء على
التفرقة بين الاستحالة المطلقة والاستحالة النسبية، والعقاب على الثانية فقط أي لا
عقاب على الاستحالة المطلقة.
ثانيا: الركن المادي-
السلوك الإجرامي
يقوم الركن المادي في
جريمة القتل على ثلاث عناصر، السلوك الإجرامي الذي يصدر عن الجاني وهو فعل
للإعتداء على الحياة الذي من شأنه إحداث وفاة المجني عليه والنتيجة التي يعاتب
عليها القانون وهي إزهاق روح إنسان ثم العلاقة السببية التي تربط العنصرين
السابقين.
1- السلوك الإجرامي:
هو الأمر أو السلوك
الذي من شأنه إحداث وفاة المجني عليه وهو سلوك صالح بطبيعته لتحقيق هذه النتيجة
فإن تحققت كأثر لذلك الفعل كانت جريمة القتل خاصة وأن لم يحققها لأسباب أخرى، وفي
ذلك يتناول الفقه إلى أن الفعل الذي تقوم به جريمة القتل العمد يتطلب ارتكاب فعل
الوفاة حصلت من جرح وقع في مقتل أم من جرح في غير مقتل ما دامت الوفاة نتيجة
مباشرة للجريمة.
أما القضاء فقد ذهب إلى
نية القتل موجودة لدى المتهم وأن تكرار الطعنات وفي أماكن خطرة من الجسم والتي
يمكن أن تؤدي إلى الوفاة تثبت ذلك أيضا، ثم ذهب أيضا إلى أن الطعن وقع بموضعين
خطرين أولهما البطن، وثانيهما الرأس وخطورة الجرحين.
نفذ أولهما إلى الجوف
البطني وأظهر الأحشاء وقد تدل مدى خطورة السكين والجرح اللتين كل منهما قاتل إذا
ما أصاب مقتلا.
وإذا وجد أن المتهم
تعمد الضرب واستعمل أداة راضة قاطعة يحتمل أن تحدث الموت إذا وقعت في مقتل وقد
وجهها إلى الرأس وهو مقتل وأحدثت ضربته تخريبات أنتجت الموت مباشرة فلا تدخل عامل
خارجي، فهذا الفعل قتل عمد.
فيذهب أصحاب النظرية
الموضوعية إلى أن يجب أن يشكل الفعل لحظة ارتكابه خطرا على حياة المجني عليه بحيث
لو سارت الأمور سيرها المعتاد لحدثت الوفاة بناء على ذلك الفعل بمعنى أن يكون
الفعل الذي أتاه الجاني صالحا لأحداث الوفاة (الموت) في جريمة القتل التامة، وأن
يكون من شأنه إحداث الموت في جريمة الشروع في القتل.
في حين يذهب أنصار
النظرية الشخصية إلى أن العبرة بنية الجاني التي يحددها في ضوء علمه بخصائص فعله،
وهو علم قد لا يتفق مع حقائق الأمور أي أن العبرة هنا بما يعتقده الفاعل، فإذا
اعتقد أن سلوكه من شأنه إحداث الوفاة، اعتبر مرتكبا لجريمة القتل العمد أو الشروع
فيها، وبذلك عدم كفاية الوسيلة لتحقق النتيجة الإجرامية يعتبر أما ثانويا، وليس
بشرط أساسي لقيام جريمة القتل العمد.
بينما يذهب رأي في
الفقه إلى أنه يستوي في هذا المقام أن تكون الوسيلة المستعملة صالحة بطبيعتها
لإحداث النتيجة أو تكون غير صالحة لذلك إلا في نظر الجاني.
ولا يشترط أن يصيب
الجاني بفعله جسم المجني عليه مباشرة، بل يكفي أن يهيئ وسيلة القتل ويتركها تنتج
أثرها بفعل الظروف، لذلك يتوافر السلوك الإجرامي لدى الفاعل الذي يضع المجني عليه مادة
سامة في طعامه أو شرابه وينتظر أن يأكل أو يشرب منها المجني عليه حتى تقع النتيجة الجرمية وهي الوفاة.
ولا يشترط في القتل
العمد استخدام وسيلة معينة بل يستوي في نظر المشرع كل وسيلة صالحة لإحداث الوفاة،
فيستوي أن تكون الوسيلة أداة معينة كسلاح ناري أو خنجر أو سكينا أو مطرقة أو غيرها
أو أن يكون أحد أعضاء الجسم كالخنق باليدين أو إغراقه...
كما لا يشترط أن يقع
الاعتداء بفعل واحد كطعنة واحدة أو إطلاق رصاصة واحدة على المجني عليه، بل يمكن أن
يقع بعدة أفعال كإطلاق عدة طلقات نارية، كما أنه يتوفر عنصر الاعتداء الذي يعتبر
عنصرا في الركن المادي ولو لم تحدث الوفاة فورا وإنما تأخر حدوثها وقتا معينا
طالما ثبت أن هناك علاقة مسببة بين هذا الفعل والنتيجة التي وقعت.
والغالب في وسائل
الاعتداء أن تكون من الوسائل المادي ولكن الرأي السائد فقها يذهب إلى إمكان حصول
الاعتداء بوسيلة معنوية مثال ذلك أن يطلق الرصاص بالقرب من شخص مريض فيصيبه الفزع
ويموت، أو أن يكرر الفاعل الاهانات أو التهديدات أو سرد الأخبار السيئة شخص ما إذا
ترتب على ذلك ألم نفسي شديد أدى إلى سوء صحة المجني عليه فحدثت الوفاة أو الزوجة
التي تعلم سوء صحة زوجها وتريد التخلص منه فتعمد إلى إسماعه أخبار مزعجة ومثيرة في
شأنها إحداث التوتر النفسي والهياج العصبي عنده، ويترتب على ذلك سوء صحته وبالتالي
وفاته.
ولكن إثبات العلاقة
السببية بين النتيجة والوسيلة المعنوية من الأمور الصعبة إذ يصعب من الوجهة الفنية
الطبية التقرير بأن ما يترتب على الفعل من أثر نفسي هو الذي أحدث في أجهزة الجسم
الاضطراب الذي أساء إلى صحة المجني عليه والذي أدى إلى وفاته في النهاية.
ومع الاعتراف بهذه
الصعوبة فإننا لا نستطيع إلا قبول هذا الرأي إذا أن الوسيلة لا تهم الشارع في شيء
كما ذكرنا.
-
القتل بالترك أو الامتناع.
إن هذا الموضوع يثير
تساؤلا مفاده هل أن جريمة القتل العمد يمكن أن تقع ويكون الفاعل مسؤولا مسؤولية جنائية
عن موت شخص كان نتيجة اتخاذه موقفا سلبيا أم نتيجة لامتناعه وإحجامه عن القيام
بفعل معين من شأنه إنقاذ حياة ذلك الشخص؟
أم أن جريمة القتل العمد لا يمكن أن تقع إلا بإثبات فعل
القتل وهو الحركة العضوية التي تتطلب تدخل الجاني بعمل يقصد من ورائه إحداث
الاعتداء على حق شخص في الحياة.
ومن أمثلة ذلك الأم تمتنع عن إرضاع طفلها يموت جوعاً
والسجان يمتنع عن تقديم الطعام للسجين فيموت الأخير، وحارس تقاطع السكة الحديد
يمتنع عن تحويل اتجاه القطار في اللحظة التي يجب عليه القيام بذلك فيؤدي هذا
الامتناع إلى تصادم قطارين يذهب ضحيته عدد من الأشخاص وغيرها من الأمثلة الكثيرة.
وللإجابة على السؤال المتقدم اختلف الفقه، فقد ذهب رأي
إلى عدم إمكان وقوع الجريمة بطريق الترك أو الامتناع، فلا يمكن أن يكون العدم سببا
نتيجة إيجابية، فالمسؤولية والعقاب لا محل لهما في هذه الحالة لانعدام رابطة نتيجة
إجرامية تتحقق لأن إرادته انصرفت إليها وكان في استطاعته منع وقوعها، إنما يعتبر
قد تسبب في وقوعها نتيجة لموقفه منها، فوفاة المجني عليه كانت نتيجة امتناع الفاعل
عن القيام بعمل معين من شأنه إنقاذ حياته ولكنه أراد هذا الامتناع لأنه يريد
النتيجة الإجرامية وهي الوفاة، وبالتالي تعتبر علاقة السببية قائمة بين سلوكه وهو
الامتناع أو الترك وبين النتيجة وهي الوفاة.
ولا يتطلب القانون غير ذلك لقيام الجريمة وتحقق
المسؤولية الجنائية عنها لذلك يمكن القول بأن الرأي السائد فقها يذهب إلى إمكان
قيام جريمة القتل العمد بالامتناع أو الترك وتتحقق المسؤولية الجنائية بحق الفاعل
كالقتل الذي يقع بفعل ايجابي سواء بسواء ويشترط هذا الرأي أن يكون هناك على الممتنع
التزام قانوني أو تعاقدي بالتدخل لإنقاذ المجني عليه فخالف هذا الالتزام، حيث أن
علاقة السببية بين موقف الامتناع المخالف للإلتزام وبين النتيجة عندئذ ثابتة أو
أكيدة.
ولذلك يذهب هذا الرأي إلى أن قيام الجريمة بالامتناع أو
الترك تتطلب قيام عدة شروط، أولها انصراف إرادة الجاني إلى النتيجة أي انه راغبا
أو على الأقل قابلا لها.
وأن يكون الجاني ملزما قانونا أو نتيجة تعاقد بالقيام
بالعمل الذي امتنع عنه، ثم لابد من قيام علاقة السببية بين فعل الامتناع والنتيجة
التي وقعت كما يجب أن يكون بإمكان الجاني القيام بالفعل الذي من شأنه أن يحول دون
وقوع النتيجة التي حدثت ومع ذلك لم يقم بذلك الفعل.
فإذا توافرت هذه الشروط
تحققت المسؤولية عن جريمة القتل بطريق الترك أو الامتناع.
2- النتيجة:
تعتبر وفاة المجني عليه
هي النتيجة الإجرامية في جريمة القتل فإزهاق روح إنسان هو الأثر المترتب على سلوك
الفاعل وبه تتم الجريمة وفي هذه النتيجة تمثل الاعتداء على حق المجني عليه في
الحياة وحدوث الوفاة شرط لازم لكي يستكمل الركن المادي عناصره فإذا لم تتحقق هذه
النتيجة وذلك بان أوقف نشاط الجاني أو خاب آثره لسبب لا دخل لإرادته فيه فإن
الجريمة تكون شروعًا في القتل إذا ما توفر القصد الجنائي لديه.
أما إذا لم يتوفر هذا
القصد وحدثت الوفاة فإن الجريمة تكون جريمة ضرب أفضى إلى الموت دون قصد إحداثها
إذا قام لدى الفاعل قصد إيذاء المجني عليه.
وليس من الضروري أن تقع
الوفاة إثر نشاط الجاني مباشرة، فقد تحدث الوفاة إثر وقوع الفعل مباشرة أو بعد مضي
مدة من الزمن على وقوعه فإذا توافرت علاقة السببية بين الفعل والنتيجة (الوفاة)
تحققت المسؤولية عن جريمة القتل العمد رغم مرور فترة من الزمن بين حدوث العنصرين.
3- علاقة السببية:
لا يكفي لقيام جريمة
القتل أن يأتي الفاعل نشاطه الإجرامي وأن تقع النتيجة وإنما يشترط لقيام الركن
المادي أن تنسب هذه النتيجة إلى ذلك النشاط أي أن تكون بينهما علاقة أو رابطة
السببية، أي لا يكفي إسناد فعل القتل إلى الجاني، بل يجب أيضا إسناد وفاة المجني
عليه إلى هذا الفعل وإلا كانت الواقعة مجرد شروع.
ولا تثير علاقة السببية
أية صعوبة إذا كان فعل الجاني هو النشاط الوحيد الذي أدى إلى وفاة المجني عليه،
مثال ذلك أن يطلق شخص الرصاص على آخر فيرديه قتيلا، أو يطعنه بخنجره عدة طعنات إلى
أن يفارق الحياة، وإنما تثور الصعوبة حين تتدخل مع فعل الجاني عوامل أخرى مستقلة
عنه ساهمت في إحداث النتيجة، وقد تكون هذه العوامل سابقة للفعل أو معاصرة له أو
لاحقة عليه مثال ذك سوء صحة المجني عليه، أو أن يصيبه الجاني بطعنة سكين فينتقل
إلى المستشفى فيخطئ الطبيب في علاجه، فيموت أو تحترق المستشفى فيموت نتيجة ذلك أي
أن المشكلة القانونية تثور في هذه الحالة لان فعل الجاني واحد من العوامل التي
ساهمت في إحداث النتيجة، فهل يمكن القول بتوافر علاقة السببية بين الفعل والنتيجة
لمجرد كونه عاملا من بين العوامل أيا كانت أهيمته أم يجب التأكد من أن ذلك الفعل
كان بالقياس إلى سائر العوامل يحتل أهمية أكبر في إحداث النتيجة.
وهناك نظريات ثلاث
نتناولهما كالأتي وبإيجاز:
أ-
نظرية تعادل الأسباب
تذهب هذه النظرية إلى
المساواة بين جميع العوامل التي ساهمت في إحداث النتيجة فكل منها يقوم بينها وبين
النتيجة علاقة السببية، أي أن علاقة السببية تعد قائمة بين فعل الجاني والنتيجة الإجرامية
إذا ثبت أنه أسهم في إحداثها ولو كان إسهامه محدوداً، إذا أسهمت معه عوامل لها
أهمية أكبر في إحداث النتيجة، أي أن جميع العوامل التي تتضافر في إحداث نتيجة ما
ينبغي أن تعد متعادلة ومسؤولة بالتالي على قدم المساواة عن حدوثها فكل منها يعد
شرطا لحدوثها بغير موازنة بين عامل وآخر من ناحية قوته وأثره بالتالي في النتيجة،
ذلك أن نشاط الجاني هو العامل الذي أعطى للعوامل الأخرى قوتها في إحداث النتيجة أي
يعتبر هو مسببا لسببيتها بحيث يمكن أن يقال فيه أنه جعل حلقات الحوادث تتابع على
نحو معين بحيث لولاه لما حدثت النتيجة النهائية فيسأل الجاني مسؤولية تامة مهما
توسط من عوامل بينه وبين النتيجة النهائية سواء أكانت هذه العوامل مألوفة ، أو
كانت نادرة شاذة وسواء أكانت راجعة إلى فعل إنسان أم إلى فعل الطبيعة.
مثال ذلك أن يبدأ شخص
بقتل المجني عليه فيحدث فيه إصابة ينقل بسببها إلى المستشفى ويشب حريق في المستشفى
يقضي على المجني عليه، فالجاني هنا يسأل عن جناية قتل تامة لأنه لولا فعل الجاني
(اعتداؤه) لما نقل المجني عليه إلى المستشفى ولما حصلت الوفاة نتيجة الحريق.
ب- نظرية السببية
الملائمة:
ومنطق هذه النظرية يذهب
أي عدم الاعتداء بجميع العوامل التي تؤدي إلى النتيجة بل يجب التفرقة بينها
والاعتداء ببعضها دون البعض، ويجب الاعتداء فقط بالعوامل التي تعتبر بذاتها كافية.
وملائمة لحدوثها، أي أن
تأخذ فقط العوامل التي تتضمن اتجاها إليها وتعبر عن ميل نحوها وتكمن فيها تبعا
لذلك الإمكانات الموضوعية التي من شأنها إحداثها.
فتطبيق هذه النظرية
يقتضي استبعاد العوامل الشاذة غير المألوفة والإبقاء على العوامل العادية المألوفة
وإضافتها إلى فعل الجاني لتحديد ما ينطوي عليه من إمكانيات من شأنها إحداث النتيجة
الإجرامية ويعتبر فعل الجاني سببا للنتيجة إذا كان مقترنا بالعوامل العادية المألوفة
يؤدي إلى الوفاة، وبذلك يتضمن هذا الفعل القدرة على تحريك القوانين الطبيعة التي
من شأنها غير مألوفة وفقا المألوف الحياة العادية فإن علاقة السببية لا تعتبر
قائمة بين فعل الجاني والنتيجة الإجرامية وإنما قد يسأل عن شروع في جريمة.
وللتفرقة بين العوامل
العادية المألوفة والعوامل الشاذة غير المألوفة اختلف أنصار هذه النظرية في وضع
ضابط التمييز بين النوعين من العوامل، ولكن الرأي الراجع هو الذي يذهب إلى أن
العامل يعتبر عاملا عاديا ومألوفا إذا كان بالإمكان شخص مجرد يتمتع بأوسع الإمكانيات
الذهنية أن يعلم بذلك العامل فكل العوامل التي يتاح العلم بها لهذا الشخص تعتبر
عادية ومألوفة وما عاداها يعتبر من العوامل الشاذة غير المألوفة وبالتالي إذا كانت
النتيجة ثمرة للعوامل الأخيرة انقطعت العلاقة السببية بين هذه النتيجة وسلوك
الفاعل .
ج- نظرية السببية المباشرة
تذهب هذه النظرية إلى
أن الجاني لا يسأل عن النتيجة التي حصلت إلا إذا كانت متصلة مباشرة بفعله هو السبب
الأساسي أي الفعال أو الأقوى في حدوث النتيجة بحيث يمكن القول بأن نشاط الجاني دون
غيره من العوامل هو الذي أدى إليها.
فإذا تداخلت عوامل أخرى
بين سلوكه الآثم وبين النتيجة النهائية انتفت علاقة السببية بين سلوكه والنتيجة،
حتى وان كانت هذه العوامل مألوفة عادية، مثال ذلك خطأ الطبيب المعالج إذا ما توسط
بين إصابة جنائية معينة وبين وفاة المجني عليه، والسببية على هذا التحديد تتطلب
نوعا من الاتصال المادي بين الفعل والنتيجة، لأنها لا تعترف إلا بالارتباط المباشر
والمحقق بينهما، وبهذا تعتبر هذه النظرية من أصلح الاتجاهات للمتهم وأكثرها رعاية
له ولذلك يؤخذ عليها أنها تؤدي إلى إتلاف المتهم أحيانا من عاقبة أفعاله إذا ما
تداخلت مع فعله عوامل أخرى أجنبية ولو بصورة مألوفة أو بمساهمة بسيطة غير محققة
الأثر أي النتيجة الإجرامية.
0 تعليقات